ALgR_Dz عضو نشيط
جْــنـسَے• : عدد مشآرڪآتي• : 38 عًـــمـــًرٌيَـے• : 28
| موضوع: المتعة والإيناس في تدبر سورة الناس الثلاثاء 27 ديسمبر 2011, 22:57 | |
| { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ *إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
1- في قوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } توجيه من الله عز وجل لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده إلى الامتناع به واللجوء إليه , من شر أعدى الأعداء ، إبليس وأعوانه من الإنس والجن ، الذين يغوون الناس بأنواع الوسوسة والإغواء .
وكلمة : ( أعوذ ) لفظها الخبر ومعناها الدعاء ، والتقدير: أعذني ، فمعنى أعوذ : أي أمتنع وأعتصم وأتحرز وأستجير .
2- في قوله : { بِرَبِّ النَّاسِ } جاء تقديم كلمة : رب ، للتذكير بأنك تعتصم وتستجير بخالق الناس ومربيهم ومدبر شئونهم ، فكل من في السموات والأرض عبدٌ له في قبضته وتحت قهره ، فهو القادر سبحانه على دفع شرهم ، إنسهم وجنهم ، فإذا استشعرت ذلك قَوِيتْ نفسك واطمأن قلبك ، فأنت تستعيذ بربوبية الله للناس أجمعين ، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته ، كما في قول موسى عليه السلام : { إني عذت بربي وربكم } غافر 27 .
3- في قوله :{ مَلِكِ النَّاسِ } جاء ذكْر ملكه لتعريف المتعوذ بأنه يلجأ لملك السموات والأرض ومن فيهن ، فكل شيء ملكه ، والكل عبيد له ، فاستحضر أنك تلجأ إلى من يملك الناس أجمعين حاكمين ومحكومين ، الموصوف بصفة الملك وهي صفات العظمة والكبرياء والقهر والتدبير ، { مَلِكِ النَّاسِ } المتصرف فيهم ، النافذ القدرة فيهم ، الذي له السلطان التام عليهم ، فهم عبيده وجميعهم مملوكون له .
4- في قوله :{ إِلَهِ النَّاسِ } جاء ذكر الألوهيه بعد ذكر الربوبية والملك لتذكير المتعوذ بأن من له تلك الصفات هو وحده المستحق أن تلجأ إليه ، وتعتصم به ، وتتوكل عليه ، وتثق به ، وتتيقن بكفايته ، فكلما زاد توحيدك ويقينك بربك وعظمت به ثقتك ، عصمك وأجارك ومنعك .
5- من عرف تلك الصفات واستشعرها وهو يقرؤها ، عرف ربه ، واطمأنت نفسه ، وتعلق قلبه بمن له الخلق والأمر، فتأمل كيف بدأ السورة بذكر الرب القائم بتربية الخلق وتدبير أمورهم ، فأول ما يعرف العبد ربه يعرفه بربوبيته وبما عنده من النعم الظاهرة والباطنة، ثم ينتقل من معرفة هذه الصفات إلى معرفة جلالته وملكه واستغنائه عن خلقه ، فيعرف أنه الملك النافذ أمره ، الذي لا ملك فوقه ، ولا شيء إلا تحت سلطانه ، ثم إذا عرف العبد ذلك ، عرف أنه المعبود الحق الذي لاتنبغي العبادة إلا له ، ولا يستحقها غيره ، ولاينبغي اللجوء إلا له ، فتثمر تلك المعرفة تعلق القلب بالله حباً وخشية ، ورغبة ورهبة ، وتوكلاً ورجاءً .
6- جاء في الآيات السابقة ذكر ثلاث صفات لله جل وعلا في موضع واحد ليكون بها العياذ والاعتصام من شر الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها والذي قال الله في وصفه :{ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ }.
7- في قوله تعالى : { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } إشارة إلى عمل الشيطان وفعله بالعبد ، وهو الوسوسة ، فالشيطان ينفث في قلب ابن آدم ويوسوس له ، و يكيد له بأنواع المكائد ، يكيد له بالضرر في بدنه ، وفي قلبه ، وفي أهله ، وفي ماله ، ولا يعصم من هذا كله إلا الله .
8- في وصف الوسواس بأنه ( خناس ) دلالة على تخفيه واختبائه حتى يجد الفرصة سانحة فيدب ويوسوس ، فهو جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس واختفى .
9- في قوله تعالى :{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } بيان محل الوسوسة وهي صدور الناس ، فالوسوسه التي في الصدور هي من فتنته وشره ، فهو يلقي في قلوب البشر أصناف الوساوس والأوهام ، ويحسن الشر ويزينه ، ويقبح الخير ويثبط عنه ، ويري العبد كل ذلك في صورة غير الصورة الحقيقية .
10- {الوسواس الخناس} مترقب لغفلة القلب ، والحرب سجال إلى يوم القيامة ، والآيات في هذا كثيرة ، فتأمل الآيات التي ذكرت ذلك لتكون على بينة من أمره ولتحذر منه ، وكما قال تعالى :{ وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين } .
11- في قوله تعالى :{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } بيان أن الوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ، وما أكثر الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر ، ويزينونه في قلبه حتى يتأثر بكلامهم ويستجيب لهم ، ولاشك أن شياطين الإنس أشد فتكاً وخطراً من شياطين الجن ، لأن شيطان الجن يخنس بالاستعاذة ، وشيطان الإنس يزين الفواحش ويغري بالمنكرات ، ولايثنيه عن عزمه شيء ، والمعصوم من عصمه الله منه .
12- في الاستعاذه توثيق الصلة بالله ، فالذين يتوجهون إلى الله وحده ويخلصون قلوبهم لله لا يملك الشيطان سواء من الجن أو من الإنس السيطرة عليهم مهما وسوس لهم لأن صلتهم بالله تعصمهم أن ينساقوا معه وينقادوا إليه ، وقد يخطئون لكنهم لا يستسلمون ، بل يطردون الشيطان عنهم ويثوبون إلى ربهم .
13- وسوسة الجن نجد آثارها في واقع النفوس وواقع الحياة ، ونعرف أن المعركة بين آدم وإبليس قديمة ، وأن الشيطان قد أعلنها حرباً ، وأخذ من الله إذناً ، فأذن فيها - سبحانه - لحكمة يراها ! ولكنه سبحانه لم يترك الإنسان فيها مجرداً من العدة ، فقد جعل له من الإيمان والذكر عدة وسلاحاً ، فإذا أغفل الإنسان عدته وسلاحه فهو إذن وحده الملوم !
14- وسوسة الناس أشد من وسوسة الشياطين ، فرفيق السوء يتدسس بالشر إلى قلب رفيقه وعقله من حيث لا يحترس لأنه يظنه رفيقاً مأموناً ، فالنمام يزين الكلام ، وأهل الشهوات يتلمسون السبل والمنافذ ، والكثير من الموسوسين الخناسين من الإنس ينصبون الأحابيل ويخفونها ويدخلون بها من منافذ القلوب الغافلة ، ولا يدفع ذلك كله إلا يقظة القلب بعد عون الله وتوفيقه .
15- هذه السورة تصور طبيعة الصراع بين الإنسان والشيطان ، سواء عن طريق الشيطان ، أو عن طريق عملائه من البشر ، وعلى هذا فلابد من التنبه إلى مداخل الشياطين فللشيطان طرق ومداخل لايمكن حصرها فكيده متنوع كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه :{ إن من فقه العبد أن يعلم نزغات الشيطان متى تأتيه ومن أين تأتيه }.
16- إن أكثر أمراض النفوس إنما تأتي من الشيطان ، والنفس الأمّارة بالسوء تكون عوناً للشيطان على بلوغه غرضه من الإنسان ، وليس من طريق للخلاص من الشيطان إلا بالالتجاء إلى الرحمن وذلك بالتوبة من الذنوب والإنابه والإقبال على الله .
17- كما أمرك جل وعلا بالاستعاذة به والامتناع به واللجوء إليه ، فإنه لا يمنع عنك فضله وحمايته وواسع رحمته ، فليستشعر قلبك مايلفظ به لسانك ، ليطمئن فؤادك وتستريح نفسك ، ويذهب قلقك ، فكم نردد تلك الكلمات في صلواتنا وأذكارنا ولكن هل صدقنا في اللجوء إلى الله والاعتصام به ؟! وهل أثمرت تلك الكلمات صلاح الحال والتفكر في المآل ؟! وهل حل بالقلب السكينة وهدوء البال ؟!
18- من امتنع من عدو ، لابد أن يلجأ إلى حبيب ، فقد لجأت إلى الرب ـ الملك ـ الإله الذي خلقك ورزقك ورباك بنعمه ، من له الملك كله ، المتصرف في خلقه ، فيجب أن تتعلق به ، وتتوكل عليه ، وتعبده حق عبادته ، وتتيقن بحفظه وكفايته .
19- إذا عرف العبد ربه حق المعرفة ، وتذكر أنه سبحانه وتعالى القادر على جلب النفع ، وتحصيل الخير ، ودفع الضر ، كانت هذه المعرفة عدة تحميه وتحفظه بفضل الله من نزغات الشياطين.
20- عند استشعارك أن غير الله لايتصف بتلك الصفات ، فلا دافع للشر إلا هو، ولا معطي الخير إلا هو ، وأنه ماشاء كان ومالم يشأ لم يكن ، وأن الخلق مقهورون تحت قبضته ، وأنه مامن قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابعه ، يهدي من يشاء بفضله ورحمته ، ويضل من يشاء بعدله وحكمته ، فإن هذا الاستشعار يجعل العبد يفر من نفسه ومن كل شيء إلا من الله ، فيشاهد في هذا الفرار سر قوله تعالى :{ فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ } [الذاريات: 50]
21- في السورة لفتة تقوي القلب على مواجهة الوسواس ، فهو خناس ، ضعيف أمام عدة المؤمن ، والإقدام على الطاعات وترك المحرمات هي أعظم العدة ، والإقدام على الطاعات لا يتيسر إلا بعد الفرار من الشيطان وذلك بالاستعاذة الحقيقية ، فالاستعاذه حصن حصين ودرع مكين ، فلابد أن تكون استعاذة حقيقية قلبية ليس استعاذة لفظية نرددها ونغفل عن معانيها .
22- الرحمن مولى الإنسان وخالقه ومصلح مهماته ، فإذا حاربت عدوك الباطن كان سبحانه مددك وعونك وملجأك ، كما قال تعالى:{ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلِيهم سُلْطَـٰنٍ }. وتأمل قوله :{ عِبَادِى } ففيه إشارة إلى العبودية الخاصة .
23- محاربة العدو الباطن أولى من محاربة العدو الظاهر؛ لأن العدو الظاهر إن وجد فرصة ففي متاع الدنيا، أما العدو الباطن فإن وجد فرصة ففي الدين واليقين .
24- العدو الظاهر إن غلب فالعبد مأجور ، والعدو الباطن إن غلب كان العبد مفتوناً ، فمن قتله العدو الظاهر كان شهيداً، ومن قتله العدو الباطن كان طريداً ، ولذا كان الاحتراز من شر العدو الباطن أولى، وذلك لا يكون إلا بالاستعاذه منه فإنه لايكفه إلا الذي خلقه .
25- إن نظرت إلى قصة الشيطان مع أبيك آدم ، فإنه أقسم بأنه له من الناصحين ، ثم كان عاقبة ذلك الأمر أنه سعى في إخراجه من الجنة، وأما في حقك فإنه أقسم بأنه يضلك ويغويك فقال :{ فبعزتك لأَغويتهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [ ص: 82، 83] فإذا كانت هذه معاملته مع من أقسم أنه ناصحه ، فكيف تكون معاملته مع من أقسم أنه يضله ويغويه ؟!
26- في سورة الفلق ثلاثة أنواع من الآفات أمر الله بالاستعاذة منها ، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد، أما في هذه السورة فالمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة، فالمطلوب في سورة الفلق سلامة النفس والبدن، والمطلوب في هذه السورة سلامة الدين، وفي هذا تنبيه على أن مضرة الدين أعظم من مضار الدنيا ، والله أعلم.
27- في سورة الفلق يستعيذ القارئ بصفة الربوبية مرة واحدة من أربعة أشياء، بينما يستعيذ في سورة الناس بثلاث صفات لله جل وعلا من شر شيء واحد -وهو الشيطان- وما ذاك إلا لشدة خطر الشيطان، فهل استشعرنا عظمة صفات ربنا ونحن نستعيذ به من عدونا ؟
28- استشعار الآيات أثناء قراءتها والعيش معها بكل مشاعرك وأحاسيسك ، سبب قوة قلبك ويقينك وإيمانك وتوحيدك ، وتدبر السورة والعمل بمضمونها دليل معرفتك ، ونفاذ بصيرتك ، فإذا كان رب العالمين قد أذن لإبليس بالحرب ، فإنه جل وعلا هو آخذ بناصيته فهو ربه وخالقه ، ولم يسلطه إلا على الذين يغفلون عن ربهم وملكهم وإلههم .
29- استحضر نعمة الله عليك حيث بين لك الوقاية ولم يدعك بلا عدة ، فالانسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفية ، ولهذا أرشده الله إلى عدته وسلاحه، فهذه السورة مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي، وهو الشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة، فسورة الفلق تضمنت: الاستعاذة من ظلم الغير بالسحر والحسد، وهو شر من خارج، وسورة الناس تضمنت، الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه، وهو شر من داخل.
30- اقرأ السورة بتدبر فأنت تطلب من الله أن يجيرك ويعصمك ويحميك ، فكن صادقاً في الطلب ، وعلامة صدقك عدم الاستجابة لأوامر شياطين الإنس والجن ، ومراغمتهم وعدم الالتفات إلى أوامرهم مهما عظمت وكبرت ، فكم من أسر هدمت ، وأخوة تفرقت ، ومجتمع تفكك ، بسبب الغفلة عن تلك الكلمات العظيمة | |
|